القائد البرهان.. الرهان الرابح
يوسف عمارة أبوسن
منذ اليوم الأول لحرب آل دقلو ضد الشعب السوداني، ظللنا مراهنين على قدرة قواتنا المسلحة وقدرة قيادتنا العسكرية على إدارة هذه الحرب ، وكانت الثقة بالله أن النصر حليفنا وأن يد الله معنا بلا شك ولا تردد، وبعد سقوط حاميات دارفور والاستراتيجية واليرموك والسقوط المأساوي لمعسكر الاحتياطي المركزي وسقوط ود مدني وعشرات المواقع، لم نتزعزع ولم نضعف، لم يهتز إيماننا بالله الناصر والقاهر ، وحين بلغت القلوب الحناجر في معارك المدرعات هتفنا الله أكبر فوق كيد المعتدي، اللهم أشدد عضد أبنائنا وسدد رميهم وثبت أقدامهم، فكانت البشارة في كل مرة (إن جندنا لهم الغالبون)، ثم في معارك الفاشر كانت الميارم وشباب المقاومة الشعبية والشباب المغتربين في أوروبا ينفرون خفافا وثقالا ليدافعوا عن مدينتهم وارثهم، ثم تنضم القوة المشتركة لتكمل حلقات الدفاع من داخل المدينة حتى واحة الزرق في محور الصحراء أقصى شمال دارفور وتتوالى الانتصارات ..هذه الحرب مكونة من عشرات المحاور وفي كل محور عشرات المعارك، ولكل محور خصوصيته ووضعيته، والروح التي يتطلبها القتال فيه، وفي كل معركة هناك تضحيات تبذل ودروس تكتسب، هناك قصص ستروى لتغذي شعور مقاومة الباطل وأنصاره واليقين بأن الطريق الذي نسلكه هو الحق لا غيره وأن طريق العدو هو الضلال المحض والشر المقيم وإن تغطى بالشعارات الكذوب وتلمع بدعايات الزيف ودعاته ..

لقد تداعت كل أطياف الشعب السوداني لخوض معركة الكرامة، من البراؤون يميناً والمقاومة الشعبية والإستنفار وسطا ثم الكتائب الثورية يسارا، وكل من هؤلاء لديه قصته ولديه دافعه فلم تترك المليشيا منزلا ولا أسرة إلا وبه أثر ندبة وجرح في الجسد أو الروح، ثم كان درع السودان الذي لا ينتمي للوسط ولا اليمين ولا اليسار ، قوامه الغاضبين من ظلم المليشيا الساخطين على أفعالها وانتهاكاتها، درع قوامه أبناء المظلومين والمطرودين من ديارهم ، لحمته الذين لم يتركوا من خلفهم شيئا يخافون عليه ولم يروا أمامهم شيئا يخافون منه ، توجهوا نحو النار فأكلوا منها وأكلت منهم، والعبرة بما يكتبه التاريخ .لم تأتي كل تلك التفاعلات بمحض الصدفة، فقد كان القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول البرهان، القائد المؤمن والمدرك لحجم المؤامرة وضخامة الإبتلاء، الذي أدار الحرب – وهي آلاف المعارك- بدراية وحنكة وصبر، أدارها بعقل استراتيجي وروح وثابة نحو النصر، وبعد هذه الإنتصارات صرنا على يقين بأن البرهان وكأنما قد أخرج مفكرته يوم 15 أبريل 2023 وقال ستنتهي هذه الحرب يوم 15 أبريل 2025 وسنخرج منها أكثر منعة وقوة وعزة وسنبدأ صفحة جديدة ببلادنا خالية من المليشيات ومعافاة من الفوضى .الثبات الأسطوري الذي أبرزه القائد البرهان خلال إدارته لهذه الحرب، هو ثبات جدير بأن تكون نهايته الفلاح والنصر، فقد أتهم البرهان في وطنيته وفي أخلاقه، فقد أنطلت دعاية المرجفين على الوطنيين الصادقين، وصاروا يشيعون بأن البرهان ينفذ خطة المليشيا ويضعف الجيش لصالح ال دقلو، حتى طالب بعضهم بإنقلاب رأسي في القيادة لتخليص الجيش من القائد العام البرهان، لكن قيادة الجيش الوسيطة والعليا تعلم جيدا أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، وأنه ليس ثمة لجام واجب (الفك) وأن مواقع ومعسكرات مثل القيادة والعيلفون وحطاب والمهندسين والإشارة والمدرعات لم تكن لتصمد لو انفتحت وهاجمت خارج أسوارها، وأن كثيرا من معسكرات القوات المسلحة الصامدة كانت تحوي قليلا من الرجال والعتاد وكثيرا من الإيمان وسياجاً من الحرب النفسية والخداع العملياتي والإستراتيجي.
عقل القائد البرهان كان يقف مدبرا أمر كل تلك المعارك ، وفوق ذلك كان يدير معارك أخرى ذات تعقيد مماثل ومتداخل مع المعركة العسكرية، فكانت المعركة السياسية مع كلاب صيد المليشيا من شتات الحرية والتغيير وقادتها المسعورين ، ثم معركة الإدانات السياسية والقانونية ضد المليشيا في المحافل الدولية والأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأفريقي ودول الجوار، ثم معركة المجتمع وحزمه للدفاع والمقاومة، ومعركة توفير السلاح وإدارة علاقات البلاد وفك عزلتها وتسخير حلفائها لخدمة المعركة، ثم معركة داخلية وهي الأكثر تعقيدا تتعلق بحفظ التوازنات بين المكونات المقاتلة في صف القوات المسلحة، وهي معركة سياسية تتطلب كثيرا من الصبر والتجاوز وتحمل الاتهامات بتكرار التجربة السابقة، والاتهامات بالتساهل والتراخي في حسم التفلتات المفضي للفوضى، ثم بعد ذلك حماية جسم القيادة من الإنشقاق الرأسي وحماية جسم الجيش من الإنشقاق الأفقي، وذلك بحفظ التوازن في كابينة القيادة نفسها وتوزيع الأدوار بين هيئة القيادة ، وتوظيف كل قائد فيما يبرع فيه وبما يملك من كاريزما ومقبولية في المحيط الذي يراد منه العمل والتأثير فيه ..
كل هذه العمليات لا يجوز فيها الخطأ ولا يغتفر الإخفاق، فالخطأ فيها يقتل أمة بأكملها، والإخفاق فيها تكون نتيجته أن يسود البلاد (تاجر الحمير) ، لذلك غير مطلوب من البرهان أن يكون ديمقراطيا ومنفتحا أو أن يلتزم بالعقلية التوافقية ، فالمسؤولية التاريخية تقتضي العمل بأقصى درجة من الحرص واتباع أكثر السبل نجاعة وأماناً مهما كانت التكلفة، فقاعدة أخف الضررين وأهون الشرين من القواعد الثابتة لدى الرئيس القائد عبد الفتاح البرهان، فمقابل كل ما تراه فشلا عسكريا مريعا ، هناك نجاح آخر في مكان آخر ما كان ليحدث لولا ما تراه أنت فشلا، فهناك دائما خيارات أسوأ تم تجنبها مع كل قرار أتخذه البرهان ورأيته سيئا، وهذا يتطلب قدرا كبيرا من المرونة والتوازن والتركيز وهو ما تتمتع به شخصية البرهان كقائد سياسي وعسكري إستثنائي .
إن هذه الإنتصارات التي تحققت كان ثمنها دماء الرجال وتضحياتهم، وسيكتمل النصر قريبا بتحرير كل إقليم دارفور، فقد وصل الجيش السوداني والقوات المساندة له درجة عالية من الإستعداد والجاهزية القتالية والتفوق الكمي والنوعي بفضل التدابير التي أتخذها وأدار بها القائد البرهان حرب الكرامة ..
يوسف عمارة أبوسن
28 مارس 2025